الأربعاء، 25 مارس 2009

العريض شاعر الغربة والإنسان والوطن .. والحب !


جولة في عالم إبراهيم العريض الشعري
العريض شاعر الغربة والإنسان والوطن .. والحب !

دراسة نقدية بقلم : رحاب فارس الخطيب

شاعرنا هو صاحب الحس المرهف والذوق المميز لمع نجمه في سماء البحرين ليضيء سماء العرب ببصمة لا تمحي في عالم الشعر العربي ترجم رباعيات الخيام من لغتها الفارسية الأم في حين ترجمها آخرون من الانجليزية , أتقن أكثر من لغة فصدر له ديوان باللغة الاوردية وآخر بالانجليزية .
له عدة دواوين منها : أرض الشهداء , قبلتان , الذكرى , شموع , العرائس , يا أنت وفي هيكل الحب .
فهو بحق كما يعتبره البحرينيون الهوية الشعرية البحرينية لديهم ولدى العرب الآخرين طوال قرن أو أقل .
أخرج بعض المسرحيات ومجموعة من المقالات .
ناهيك عن المراكز الهامة التي تقلدها مثل رئاسة المجلس الوطني التأسيسي عام 1973م وأصبح سفيرا متجولا بديوان الخارجية عام 1975م لفترة من الزمن .
اذا نحن أمام صرح شامخ أغنته التجربة و النشأة الكثير الكثير لينصب بحق من رواد الشعر المعاصر , كما برع في الشعر العمودي فقدم صورا غاية في العذوبة تجرأ وجدد , كانت حياته حافلة غنية بالعطاء كل من يرد ماؤه يشعر بالارتواء ليعود فينهل من جديد من عذب صورة والفاظه وطرحه القومي المفتخر بالماضي المحفز للأمل لمستقبل مشرق مضيء , شاعرنا حقق المكانة المرموقة لنفسه ولوطنه البحرين , ليقف الوطن رافعا رأسه بشاعر مميز ألا وهو الشاعر العربي ابراهيم العريض .

استطاع شاعرنا أن يأخذ بيدنا ومشاعرنا واحساساتنا لنحلق في سماء صوره العذبة الغنية بالمشاهد الخلابة لنتحسس الشعور بدفئه وعمق احساسه و ألمه وفرحه ووحدته في آحايين أخرى , كل ذلك وغيره الكثير تلمسناه من خلال شعره العميق الاحساس المؤثر في قلب وعقل القارئ والسامع لنحيا تجربة تستحضر شعورا بألم أو فرح ما في ماضينا فتؤثر في حاضرنا وتأخذ بيدنا لمستقبلنا الذي نأمل و نحب .

الغربة عند العريض :

الغربة تلك الحالة التي جربها معظمنا في حياته. من منا لم يغترب عن وطنه ؟ أو عن أهله رغبة أو قصراً ولكن أكثرها تأثيرا أن يكون الانسان غريباً في أهله, أما عند شاعرنا فقد عبر عن الغربة بصور كثيرة فنجد غربته في الحب كما نجدها في قصيدة " غريب "

با ابنة الحسن لا تقولي غريب
غربتي في الحب عين مهاة
لم تكن غير نظرة تركتني
ظامئا بعدها الى نظرات

فالشاعر شديد الشوق لمن ابتعد عنها وأصبح غريبا يتعطش الى اللقاء فتصوير المشتاق بالظامئ صورة معبرة لشدة الشوق الى الحبيب فجاءت رقيقة عذبة .
وفي قصيدة أخرى عبر عن الغربة بقولة :


هبينا غريبين باعد ما بيننا كل شيء
أليس –فديتك- أزهار فنك ملء يدي
خذي من صلاتي
فان حياتي
ربيع يجدده طائران
ستحيين للدفء ما أنا حي

هما ليسا بعيدا الديار لكنهما بعيدان وتصوير حياته بربيع وهما بطائرين يشعل الأمل قلبيهما على الرغم من غربتيهما, وفيها دعوة للمحبوبة أن تنضم لينعما بدفء المشاعر الرقيقة والأمل .
وأما الغربة الحقيقية حين يبتعد المرء عن وطنه اما راغبا أو مرغما, العريض في قصيدته ( الوطن المفدى ) :
كلما اهتز جانب القلب للذكر ى , فللوجد فوقه أنغام
ساقني موطني على البعد شوق الطي ير للظل قد براه الأوام
فالقلب يهتز من شدة الذكرى وهذه صورة تحرك في المغترب ذلك الحنين لوطن غال ترك فيه الأحباب والوطن يجذبنا بقوة يسوقنا فلا نجد مناص من العودة اليه , كالطير يحلق عاليا ويسافر بعيدا لكنه يعود الى مسقط رأسه .
الوحدة والغربة لا ينفصلان كذلك الذكريات كلها وحدة واحدة مترابطة تجذبنا للأخرى فنجد العريض قد عبر عن ذلك بقوله :
كنت في ظلمة, أعيش لذكرى ال حسن, حتى حظيت منه بنور
هو دنيا من الشعور لقلبي يا لدنيا –في وحدتي- من شعور

فالوحدة وصورها المؤلمة تلمسناها في قصائد شاعرنا ليصورها بظلمة والانسان القابع في الظلمة تتجسده المخاوف من الماضي فتؤثر في الحاضر لكن شاعرنا في ظلمته يعيش الذكرى فيبحث عن نور الأمل المنشود , الوحدة قاتلة لكن شاعرنا بحث بين ثناياها عن نور ينتشله ليحلق به نحو الدنيا والضياء وهذا لا يعبر الا عن قدرة تصويرية غاية في الابداع لنحيا حالة الذكرى المؤلمة لنخرج منها بأمل نحو الضياء .

الرثاء في قصائد العريض :

أما الرثاء فقد تحسسنا عمق الألم لأشخاص فقدهم ولم يستطع تحمل فقدهم من خلال صور أجهشت قلوبنا حزنا لحزن شاعرنا لفقدهم قصيدة الغصن الذاوي حملنا من خلال صوره الألم الجاثم على صدره ألما أ دمى قلوبنا :

لهفي على غصن ذوى قهرا أودى ولما ينبت الزهرا
لو غاب شخصك عن نواظرنا يوما سكبنا الدمع محمرا
لا أنسىنظرتك التي بعثت في القلب من آلامها جمرا
أأخي قد أزف الرحيل فهل تبكي لفقدك أختك الصغرى
ان غيبتك صحائف فلقد خلدت ما يحيي به ذكرا
سقيا لقبر قد نزلت به وسقى ثراك سحائب تترى

فصورة الغصن الذاوي تعبر عن شباب الفقيدة الذي لم يزهر بعد , وسكب الدمع صورة لشدة البكاء والألم الذي يعتصر القلب جمرا , فالموت رحيل الأحباب في رحلة لا عودة فيها وشاعرنا استطاع أن يحسسنا من خلال صورة عمق الألم الذي يجثم على صدره .
وكدأب العريض نحن بحاجة لانتشالنا من قوقعة الحزن الذي يكاد يخنقنا فعبر عن صورة متفائلة لفقيدة قلبه في القبر:
للنفس ساعات تسر بها فتخال أن خلودها يشرى
لكنها والحق قد جهلت في القبر تلقى الراحة الكبرى

فالراحة الكبرى نجدها في القبر وهذا يعبر عن فلسفة آملة , لمجهول ينتفض من ذكره كل انسان ألا وهو الموت لكن الموت هنا فيه الراحة الكبرى, كما نجد شاعرنا قد أبقى على ذكر السقيا لقبر الميت وهذه افكار ومعتقدات كانت سائدة في الجاهلية وهو طلب السقيا لقبر الميت لينعم بالهدوء والراحة .
والجسم ان زالت معالمه فالروح تبقى بعده دهرا
تبقى تحوم كطائر غرد حتى تقيم لنفسها وكرا
فلسفة الموت عند شاعرنا تظهر من خلال تصوير الجسم بشيء مادي له معالم بارزه تزول وتبقى الروح خالدة تحوم كطائر يبحث عن وكر تطمئن فيه ليغدو سكنا ملائما لها .
وهذه صورة غريبة عبرت عن فلسفة الحياة بعد الموت وأن الروح باقية فنتلمس أملا ببقاء من نحب.
أما الأشخاص :
جاءت صورهم في قصائد العريض حية تعبر عن الحركة والصوت والحدث , فقد عرفنا على شخصيات أثرت في نفسه حبا وشوقا وحنينا فقد ذكر الحبيبة والبنت والأخت والأخ فأضفى ذلك جوا حميما غاية في الرهافة و دفء المشاعر فتمنينا لو أننا احدى هذه الشخصيات لنخلد في قصائد تحيا مدى الحياة : فقصيدة في سكون الليل :

غفا الكون الا ما يكون من الصبا
اذا حركت مهد الزهور النواعس
تخالينها –يا مي- طهرا مجسما
على كل غصن في الخميلة مائس
الى قوله :
تعالي هنا نخلد من العمر ساعة
يدا بيد في نجوة وتهامس

مي الحبيبة التي يتمنى أن يخلد معها ساعة من العمر, كذلك استخدم الرمز في ذكره رمزا للأشخاص :
يا ابنة الحسن... قد عشقتك صوتا
يتهادى على جناح الأثير .
وذكره لزوجته وبناته في قصيدته ليلاي ( العرائس ) دليل على حنانه و عطفه وفيض أبوته التي عمت من سعدت بها فكان الأب الحاني الذي ترعرعت على يديه بنات سعدن به والدا شاعرا مميزا في دفء حنانه ورقة شعوره .
ليلاي ! بالأمس كنت كأنما ((هي)) أنت
فتاة حلمي ..التي قد تمثلت لي .. بنتي
وقد تجلت رهافة حسه وأبوته بقوله :
تلهين في العش شدوا كأنك العصفورة
عليك ثوب طويل وفي يمينك صورة
فتنثرين عليها مع الصباح زهوره
كم سرني أن بنتي كعرسها مسرورة
فصورة العصفورة التي تلهو في العش في وئام و طمأنينة تدل على سعادة هذه البنت الصغيرة في دعة وسرور
ما بين صغرى وكبرى وكلهن كذاتك
لهن منك جميعا معنى الحيا من حياتك
تلقين ثريا ومي حسن التفاتك
فذكر ثريا ومي بناته اللواتي يحب كذلك ذكر زوجته
كأن أمك ما بي نهن وردة أمي
من خلال صوره الفنية والتي عبرت عن مدى تعلقه بعائلته الصغيرة محبا ومحبوبا نعرف مدى رقة وحنان شاعرنا العريض .
وقد ذكر أشخاصا آخرين في شعره فكان للقس (رجل الدين المسيحي ) والعذراء مكانا في شعره من قصيدته (( يد بيضاء ))
أيها القس الذي لم ينس في الآحاد بره
النواقيس تدوي والترانيم مسره
وملاكي .. في صلاة تملأ العينين عبره
ليتها تبلغ من شا طره قلبي أسره
أفلا تدعوه أن ير فع ( للعذراء ) شكره
وبلقيس اسم استخدمه كرمز ليسقط عليه ما أراد كما جاء في قصيدته يد بيضاء :
فاسمحي بلقيس أن أل ثم أطراف بنانك
بقيت بعدك يا طا رق حيري في مكانك
كذلك الراعي وحريته لفتت انتباه شاعرنا فنجده يرد الماء ويرقب الضأن ينفخ في نايه و كأنه ملك الدنيا بأنغامه يسعد بحياته متنقلا بين الروابي الخضر فكانت الصورة أبلغ في وصف حريته وحياته :
عاش حرا .. جلده بعض لباسه
في البوادي ناي بين يديه
لبث الراعي على مورده الصافي ..ضحاها
سادرا ينفخ في الناي ..بلغاها

الإنسان .. في شعر العريض :

أما الانسان فقد كان له حضور جلي في قصيدة ( الإنسان ) قصيدة فلسفية تحمل معان عظيمة بصور معبرة لهوية الانسان :
فيا من وعى كونه في كيانة
كأن له أثرا في زمانه
وماذا يميز وهو الفريق
أن عاش في الماء أو مات غرقا
ألا ليت للحي شأنا ك" حي "
يميزه بعد نشر وطي
كفقاعة في مهب الرياح
تلاشى أمام البلى كل شيء

فالانسان كما صوره غريق في هذه الحياة ان لم يعرف هدفه كفقاعة تتقاذفها رياح الحياة وتتلاشى لا يستطيع شيئا أمام المنحنى . وهذه صورة بليغة لمن اعتبر وحسب أن لن يقدر عليه أحد فهو لاشيء .. فلسفة غريبة بصور معبرة الا أنها تطرح رأيا في الحياة بأننا لا نشكل شيئا الا اذا تركنا فيها أثرا لا يزول .
وذكره لشخص حواء جاء غريبا في عهده فقال في قصيدة (( حواء )) :
هذا الوجود اطارلا كفاء له و غاية الفن فيه رسم (( حواء ))
وأطيب الطيب ما في الخلد من زهر وانما غرستها كف ((حواء ))
وما تؤمل في الفردوس منفردا الا رجاؤك أن تحظى بلقياها

حواء أخذت الصور العذبة عند العريض فهي غاية الفن والابداع و أروع الغراس ما غرسته حواء عبق الرائحة جميل المنظر وحتى الفردوس يستطيع احتمالها وحيدا, فما جمالها الا مع حواء .. فقد تربعت حواء في شعر ابراهيم العريض فاحتلت مكانة عالية في عرش قلبه و عقله وتمثلت صورا غاية في الحسن فهي : (( حواء ))
انظر الى وجنتيها هل ترى شفقا
يلوح من شعرها في وسط ظلماء ؟
وليس أجمل ما في الكون من أثر
الا اقتباسا بدا من شكل حسناء .

فوجنتيها شفق يلوح في وسط الظلمة وهذه صورة غريبة لكنها موحية بجمال أخاذ مبدع الخلق.
وكل ما في الكون من أثر وجمال اقتبسه من شكل حواء هذه الحسناء
الرقيقة .. رفقا شاعرنا العريض فالكلمات غاية في الحسن و أبلغ من الصورة لنقف أمامها ونقول أكل هذه الصفات في حواء.
التصوير أبلغ من الحال و غاية في البلاغة و الجمال استطاع من خلال
صوره رفع مكانة المرأة لتحتل عرشا نصبها عليه.. هذا هو العريض.

الأماكن :

للمكان حضور في شعر العريض فذكره لجمنا (نهر في الهند) دليل على تعلقه بفترة محببة في ذاكرته التي عاشها طفولته وصباه كما جاء في قصيدة (غريب):

أيها الليل ! ضم ما شئت عني
غير صوت يلم بي في أناة
صوت تلك التي بشاطئ (جمنا)
تيمتني...عرفت فيها مهاتي
للمكان أثر في نفس شاعرنا حيث يذكره بصوت من أحب وتعلق وهذا حال كل منا يحب المكان الذي يربطه بمن يحب ويتعلق, تماما كما رأيناه عند شاعرنا العريضا تعلقه بجمنا .
كذلك ذكره للبيد والصحراء فالشاعر العربي مرتبط بها متعلق قلبه ومشغوف بحبها فهي الحضن الدافئ الذي يحنو عليه فيتنقل ويأنس : كما جاء في" ارض الشهداء" :

فان البعث له ألف لسان في الفضاء غنت البيد بها ثانية لحن السماء
هذه أرضك يا دعد ،وأرض الشهداء

فالبيد تغني كما جاء في قصيدتنا لتعبر عن حالة فرح تحياها الأرض.
وذكر المروج والأرض الغناء

والمهى للمروج والأرض للغيـ ـث إذا أمحلت وماج القتام

والرياض كانت لها حضور فقال:

كم روضة غناء مورقة أسدلت دون نعيمها سترا

ففي هذه الصورة يشبه الفقيدة في مرثيته الغض الذاوي بالروضة شبابها ونضارتهاوالتي أسدلت ستارتها... فاستخدم الاستعارة بذكره الروضة ليعبر عن شبابها المتفجر الذي ذوى وتلاشى.
كذلك ذكر النهر وذكر الوادي في شعره

أفاق الفجر من حلمه
فمن علم الشادي
يباكره
يناديه
بأن النهر من نظمه
وفي شطري الوادي
أزاهره
وقوافيه

فالنهر كالقصيدة المنظومة بعناية كذلك الوادي كالعقد بجانبيه الزهر والقوافي في ناحيتيه وهذه صورة جميلة للنهر والوادي . غريبة لكنها معبرة لصورتي النهر والوادي ومن خلال الصورة تجسد لدينا إبداع خلقهما فازددنا تأثرا واندهاشا.
أما أجمل مكان عبر عنه شاعرنا بصور تشعرنا برائحة غالية على قلوبنا، ألا وهي الأرض..ففي قصيدته الوطن المفدى قال:

سقت الغاديات أرضا رعتني طاب للظبي في رباها المقام
ورعى الله تربة أنشأتني وعهود الصبا بها أحلام
خلعت حسنها عليها الليالي وازدهت في ظلالها الأيام

فالصورة هنا بالغة الأثر في النفس نشتاق للأرض التي رعتنا ونشأتنا فالليالي خلعت حسنها وقدمته للوطن فأصبحت الأيام مزدهية مزينة جميلة بذاك الحسن.

فاخلع النعل انها تربة بو ـرك في نبتها سقاها الغمام
تربة قد تسلل الماء من تحـ ـت رباها تزينها أعلام


فالمكان مقدس ولنخلع النعل فهي أرض مقدسة يرويها ماء المطر الطاهر وهي حرة مستقلة مزدانة بالأعلام..


(الوطن المفدى)

علقتها نفسي شبابا وبرد الـ ـعيش غصن فطاب فيها الغرام
لا أرتني الحياة بعدك أرضا موطن الدر لاعلاك مقام
تلك أرض الجدود أرض أوال حل مغناك نضرة وسلام

فالمكان مقدس لدى الشاعر فهي أرض الجدود تتعلق النفس بها وتهنأ فهو نعم المكان.
أما فلسطين التي خلدت الشعراء وخلدها الشعراء بقصائد غاية في الانتماء للوطن والعروبة فقد تحولت بقضيتها منهلا للشعراء كما جاء في أرض الشهداء

يا فلسطين وما كنت سوى
بيعة الأرض
على كف السماء
اشهدي..أن بياني قد روى
فيك ما يرضي
قلوب الشهداء
كم زكا المسجد من أعرافهم بعد الفناء
كم بكى الغيث على أجداثهم وسط العراء
فكأن الليل شيء ماله معنى انتهاء
ثم جاء الفجر يسعى تباشير الضياء

فلسطين أرض الشهداء روت دمائهم الأرض صمدوا بكى الغيث على أجداثهم وهذه صورة معبرة لحالة الحزن بفقد الشهداء الذين روت دماؤهم الأرض والغيث محبب للإنسان يأمل منه الخير والنعم لكنه هنا يبكي وهذه صورة غريبة تعبر عن حالة الحزن بفقد الشهداء.
إلا أن الليل الجاثم على صدور المحتلين لابد زائل لا محالة ويأتي فجر جديد في الأمل والحرية تماما أسلوب العريض نجده دائما يبرز حالة التعب والإرهاق واليأس لينتشلنا إلى حالة الفرح والأمل باشراقة يوم جديد أجمل وأكثر ضياء وهذا ما أمله لفلسطين.
هذه الأماكن وغيرها ذكرها العريض في شعره وعبر عنها بصور غاية في الحسن موضحا ما أراده بتصوير دقيق يدغدغ مشاعرنا ويحملنا إلى ذاك المكان في خلال صوره الدقيقة والتي يضفي عليها قبسا من ذاته فيصبح المكان بشعر العريض أجمل وأروع نتمنى لو أننا معه في ذاك المكان الذي إن عبر عن شيء إنما يعبر عن قدرة في التصوير وبلاغة عظيمتين.

الدين والمعتقدات في شعر العريض:

الأديان ظهرت جلية في شعره, ففي قصيدته (يد بيضاء) ورد ذكر عذارى الدير والقس وهذا ما نجده في الدين المسيحي فقال:

كعذارى الدير لا يمـ ـلكن دفعا لمضره
كيف تفضي بهواها انها تخشى المعره
أيها القس الذي لم ينس في الآحاد بره
النواقيس تدوي والترانيم مسره
أفلا تدعوه أن ير فع (للعذراء)شكره

مفهوم القس والعذراء والترانيم أهم ما يميز الدين المسيحي ,استفاد منها ليضفي جوا على قصيدته ليبلغ المعنى المحدد.
مقارنة ما بين الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم:
أما حديثه عن الإسلام فقد جاء من خلال مقارنة الأمة الإسلامية بالأمم الأخرى كما عبر عنه في قصيدته (في الشتات):

وما من مفارقة بين أمتنا وبقايا الأمم
سوى أننا في الأساس ندين بأعلى القيم

فالإسلام أمة أما الآخرون فبقايا أمم وفي هذه الصورة تقديم الأمة الإسلامية على الأمم الأخرى وذلك بسبب ديننا الذي رفعنا بأعلى القيم.
لدى شاعرنا العريض نظرة فلسفية واضحة المعالم, جلية, تبدي رأيه تجاه الأمم الأخرى التي تريد إنهاك الإسلام والمسلمين من خلال المقارنة التي أجراها بين الأمتين كما جاء (في الشتات):

وما من مفارقة بين أمتنا وبقايا الأمم
سوى أننا في الاساس ندين بأعلى القيم
ولكن هنا عبث العابثين
رأوا هم..
مصلين قد وحدوا صفهم في الصلاة
على كل أرض
جموعا نضرة
فها لهمو ما رأوا
فاستباحوا طريق القناة
وبثو الولاة
بدفع وقبض
لأقبح سيرة

نقد العريض لواقع الأمة:

رأيه جلي فالأمم الأخرى تعمل استباحة الإسلام وشن الحرب ضد المسلمين.
قدم العريض نقدا لواقع الأمة الإسلامية فلم يقف مكتوف اليدين بل عبر عن رأيه بحرية وجراءة صور فيها العلاقة بين ما وصفهم بالعابثين وبين المسلمين كما جاء في مجموعة (يد بيضاء)

بددت محكمة التفـ ـتيش آمال الحزينة
ليس يرضيهم سوى أن ينكر المسلم دينه
وأبى طارق أن يلـ ـبس بالشك يقينه
إذا لاح صليب مرغ الجبهة دونه؟
هو لن يشرك بالـ ـله ولو ذاق منونه

فلسفته واضحة هو مصر على دينه وموقف الثبات موقفه من غير المسلمين.
أما في قصيدة (قصب السبق) فقد أعلن التسامح مفتاح كل الحلول للوضع الجاثم على الواقع المعاش

إلى اليأس اقرب, ما ارتجيه
فتلك قضايا لنا – مستحيلة
وإن هي تمت, وإن لم تتم
فليست سوى غاية..لا وسيلة
فسوف يظل التسامح متاح كل الحلول
فنحفل بالغد,لا بنجوم وساسة
وعهد خلافة

فالحالة التي وصلت إليها الأمة الإسلامية تدعو إلى اليأس لكن حلها كما يراه ممكنا.
كذلك عبر عن حالة اليأس في قصيدته (دعاء) قلت لي:

يا ابنتي سأموت وقلبي منفطر
يحاصرني الاحتشاد بأحزانها
وما زلت في حسرتي
أمتي تتناوبها صفعات الريح
حاصرت أفقها الرازحات ولم نستو بعد
كل الصفوف فلول
وغضبتنا خارج الاحتواء

عبر العريض عن حوادث الزمن التي تعترض الأمة بصفعات الريح لشدتها وهولها , كذلك حصار المصائب للأمة ومع ذلك لم تتحد وكل الصفوف تفر من وجه الأعداء وفي هذا تعبير عن عظم المأساة التي تحياها الأمة والتي ركنت به إلى زاوية اليأس (دعاء)

لا جسد يتحامل كي يتجمل
ولا الروح راضية بالبقاء
فادع لي يا ابنتي ألا أطيل المكوث هنا
دار حزن طويل
أن أعود إلى رحمة الله حين يشاء


وهنا تلمسنا مدى يأس العريض من التردي الذي وصل بالأمة إلى حد طلبه من ابنته أن تدعو له بأن لايطيل المكوث في هذه الدار ليعود إلى رحمته تعالى , وهذا أمر نجده عند الشعراء والأدباء كافة في تلك الحقبة , فقد عانى الوطن العربي آنذاك من انكسار أثر في نفس أكثر النفوس صلابة فالحال مثقل بالهموم واليأس من القدرة على التغير , والواقع يعاني حالة فشل واستعمار وتخاذل انعكس ذلك في القصائد التي صورت الواقع الأليم المعاش ,العريض كان شاعرا يتحسس الواقع ويتعامل بشفافية مع الأمور فتجلى ذلك في شعره, وفي نهاية المطاف ما زال العريض يؤمن بالوحدة فليس هنالك سبيل إلى التحرر والمضي قدما إلا بالوحدة فهي الخلاص..من قصيدة أمتي:
يا أمة لم تجاوز أمسها لغد كيف السبيل لكي تنسي فتتحدي
كفي مكابرة-ما تؤمنين به ما غاب-مثلك-منى الغيب عن أحد
لولا حقيقتنا وهم نلوذ به يا أمتي لبلغناها يدا بيد
ما أظلم الدار تعشي عين ساكنها عن جلوة الكون في إسحاره الجدد
إن كان هذا لو الإسلام معتمرا فيا لوحشة من يشقى مع الحشد

التجديد في شعر العريض

جسد العريض آراءه وخيالاته من خلال صور أدت المعنى المطلوب لتؤثر في القلب والعقل فترك أثرا لا يمحي لمن تنزه في أشعاره وتنسم بعبيرها ليرتوي بخصب صوره ودقة معانيه فقد أستطاع أن يأخذنا للمكان, ونتعرف الأشخاص, ونعاني الواقع بقسوته وظلمه , واليأس, وبشعاع الأمل النابت بين ثناياه,أشعرنا بدفء الوطن واحتياجنا إليه وإلى الوحدة العربية والتي لن نستطيع تحقيق شيء منها إلا بالوحدة. وهذا جسد مبادئ وأفكار العريض السامية التي ترتقي بالقارئ ليصل إلى قناعة بأهمية الوحدة كل ذلك جاء في إطار من التجديد باستخدام صور معبرة لا تكاد تخلو قصيدة أو بيت من أبياتها بالتصوير المعبر والذي وظفه وذلل صوره لتكون طوع ما أراد من معنى وتأثير, لنحيا حالة نفسية معينة أو تصور مشهد لمكان لم نزره فأحسسنا وكأننا ذهبنا أليه أو التقينا أشخاصا أحسسنا بأنهم قريبون منا نستطيع فهم ما في نفوسهم, أو تصوير الواقع بكل ما يحمله من تناقضات فكان شعره مميزا من حيث الصورمعبر للمعنى الذى أراد.
أما ألفاظه فقد جاءت قوية فصيحة رغم أن شاعرنا عاش طفولتة وشبابه في الهند ليؤثر ذلك في لغته لتكون ركيكة إلا أنه تخطى ذلك فأبدع وبرع باللغة العربية الفصيحة؛ ليستخدم ألفاظا قويةجزلة, وقد استخدم اللفظ مع الصورة لإبراز المعنى, ففي قصيدته الوطن المفدى والتي جاء فيها:

فاخلع النعل إنها تربة بو رك في نبتها سقاها الغمام
تربة قد تسلل الماء من تحـ ـت رباها تزينها أعلام
لفحتها الرياح والشمس حمرا ء كلون الزجاج فيها المدام

استخدم أسماء مثل آدم وحواء كرمزين ليعبرا عن الكل في الفردوس الأرضي نشيد آدم ورقة تين ونشيد حواء تفاحة:

أريني ناظريك..فما صحا قلبي بإدمانه
لأسبر فيهما عمق الـ ـمحيط وراء شطآنه

وقال:
غادر كالشمعة جسمي لظاه فكن عليه لا له..في هواه
كأنما يصرعني ما رد جن فما تسكن عني يداه

وصف الجسد وما يعتريه في حالة الحب إلا أن ذلك جاء بأسلوب مرهف غير مبتذل ليطفو بالقارئ فيعيش حالة سرمدية غاية في الانسجام.
قصيدة تفاحة نشيد حواء

أنعم بحسني لا بأكفانه فالحب قد جردني للحياة
واختر لدنياك سبيل الغنى في شعري المرسل حتى قفاه

كذلك استخدامه لمصطلحات جديدة كالاغتيال في قصيدته (دعاء):

وما
خطبنا اليوم؟
ماذا يقال؟
ونحن الذين سددنا المسالك؟
طريق الهدى لم يعد مستقيما
ولا هو سالك
لكثرة ما طل فيه
دم الأبرياء
اغتيالا..وصبرا

وما ذكره لألفاظ مثل القس إلا نوعا من التجديد فجاء في قصيدته يد بيضاء:

أيها القس الذي لم ينس في الآحاد بره
النواقيس تدوي والترانيم مسره

أما شكل القصيدة فقد راوح ما بين العمودية وبين قصيدة التفعيلة التي أخذت بالظهور في بدايات القرن الماضي على أيدي كبار الشعراء المعاصرين للعريض في شبابه أمثال: بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وغيرهم، فقد جدد في شكل القصيدة ما بين العمودية والتفعيلة وما عرف بشعر أقرب ما يكون إلى المخمسات يبدأها بدفقة شعرية بتفعيلة ثم يأتي بشطرين من الشعر العمودي فتفعيلة ثم شطرتين خالف قافية أبياته الأولى وبهذا جاء بنمط جديد تأثر فيه بالقدماء مع التجديد في شكل القصيدة فكان مجددا خلاقا كما نجد في قصيدته يد بيضاء:

بدا من أفقه البدر
يسامر جلاسه
على مهل
على مهل
فحرك جفنه الزهر
وصعد أنفاسه
من الكلل
إلى القبل

نقض البدر على الغصـ ـن الذي حياه نوره
جاعلا من أصفر الأو راق في الحسن نظيره
ملقيا للزهر درا كلما ألقى عبيره
في رياض نمنم الليـ ـل حواليها ستورة
كلما اهتزت مع الما ء حواشيها المنيرة
رقصت بين يدي دا ئرة أخرى صغيرة
وزكا في الليل عزف علم الطير صغيره
كاد ينسى كل شيء قلبه إلا سروره
فمضى يهتف بالحسـ ـن ويستدي سميره
صيد حي ود لو شا طره البدر شعوره
من رأى في راحة الأو راق كالطفل سريره
خافيا يحسبه الشا عر في الليل ضميره

رأته وسط دنياه
على الغض الرطب
يمنيها
بأنغامه
فلما قاربت فاه
طفت قلة الحب
على فيها
لإكرامه

من خلال رؤيتنا لشعر إبراهيم العريض , واقترابنا من صوره وألفاظه ومعانيه, وقدرته الكبيرة على تطويع الصورة لتخدم كل ذلك, يجعلنا نقف أمام شاعر قدم أعمالا تسجل له في موطنه الأم البحرين, ولمن حظى بالتعرف عليه عن كثب فيرقى ليحلق معه نحو الآفاق.

واستخدامه لأسلوب الحوار ليس الا ضربا من التجديد لرؤية تعبر عما يجيش في النفس ليعطي السامع تواصلا وقدرة على تصور الحدث والشعور فتصل الفكرة والصورة بشكل جلي فتؤثر في قلب القارئ أو السامع, فتترك القصيدة أثرا رسمه الشاعر ببراعة. فالحوار يعطي القصيدة حياة لما له تواصل ما بين شخصيات القصيدة فنشعر بشعوره ونتاثر بألفاظه ونتخيل صوره .فتكون الكلمة ووقعها على الأذن أقوى والصورة أعذب فتتأثر عواطفنا وعقولنا علنا نحقق شيئا مما أراده شاعرنا لتكون الكلمة رسالة. فالشاعر مرآة أمته وتاريخه وحاضره وعما يؤمن من مبادئ وأفكار يتحسسها أكثر من غيره لأن الشعراء يستبصرون الحاضر والمستقبل بنظرة لا يستطيعها الانسان العادي ينظرون للبعيد يتأثرون بالحاضر فيؤثرون فينا , وهكذا شاعرنا العريض الذي فخربالماضي و تاثر بالحاضر واستشرف المستقبل . حزن وتألم, تعب من الواقع المعاش لكن لابد فجر قادم ففي قصيدة " دعاء " نجد هذا الأسلوب جلي فقد قال :

قلت لي – اذا تمنيت أن يطول بك العمر :
لا يا ابنتي
لا رغبة أن أوجل يومي عن موعد مسبق .
وانتظر الارتحال الأخير الى رحمة وفضاء .

نحن في أشد الحاجة لشعراء ياخذون بيدنا نحو الأمل ,ينفضون عنا غبار الزمن المثقل بالهموم, ينتشلوننا ,ويأخذوننا لنحلق عاليا لنحقق السعادة,يعبرون عن امال أمة تعبت وان لها أن ترتاح ,لشعراء يحلقون بها وتحلق بهم لبلوغ رسالة عظيمة بدأها شعراء أمثال العريض ويكملون مشواره .فالكلمة لها و قع السيف ترفع الهمم وتؤرخ حاضر الأمة .



جلاء الصورة في
إسقاطات الطبيعة في شعر إبراهيم العريض
من خلال قصيدته (في سكون الليل)

في سكون الليل ... وماذا هنالك في سكون ليل يغفو الكون فلا من ساهر إلا ما يكون من الصبا
العذبة الرقيقة قصيدة في سكون الليل للشاعر البحريني إبراهيم العريض الذي ترك بصمة جلية في سماءالشعرالخليجي ,والتي تجلت عن شاعر مرهف المشاعر عذب الصور والخيالات .
قصيدة تدغدغ مشاعر القارىء لتحلق به ليحيا لحظة سكون الليل وهدوئه الناعم الرقيق . فالقصيدة من القصائد التي نقرؤها فنعيد قرأتها ونحفظها لأننا نشعر بأننا في حاجة لذلك الارتياح
الذي كسانا ونحن نحيا صورها من لحظة غفوة الكون حتى نخلد من العمر ساعة مع الحبيب يدا بيد في نجوى وتهامس شاعرنا بدا قصيدته :
غفا الكون...الا ما يكون من الصبا
اذا حركت مهد الزهور النواعس
تخالينها -يا مي- طهرا مجسما
على كل غصن في الخميلة مائس

فالكون جميعه قد غفا وصار في سبات عميق الا نسائم عذبة رقيقة تهدهد مهد الزهور النواعس .
صورة أرق من النسيم لتعبر عن حالة الهدوء اللذيذ الذي ينثر ستاره على المكان .
فالطهر مجسما على كل غصن من الأغصان التي تتمايل الهوينى فتظهر بصورة ناعسة
ويحبس من أنفاسها الليل ريثما
يخالطها برد الندى المتقارس
فترسل طيبا حولها في دوائر
تدور إلى أن يغمر الطيب هاجسي
وقد سكنت حتى المياه كأنها
هناك تصغي في الظلام لهامس

والليل هنا يحبس النسمات الرقيقة من مداعبة الزهور فتجد برد الندى يحركها فترسل رائحة طيبة تنشر دوائر تدور فتغمر هاجسي فأحلق في أفكاري..كثيرا ما ترتبط الذكريات بنسيم أو رائحة تحرك ذكرى سكنت في داخلنا لنحيا ذلك الشعور وفي صورة شاعرنا ما يجسد هذا ببراعة وقدرة على التصوير الدقيق المعبر عما نحس او نتذكر. والهدوء يخيم على المكان وهنا الصمت له صوت يهمس ويناجي وهذه صورة عذبة جميلة .
يصقلها مر النسيم فتنجلي
بها صور الاشياء تبدو رواكس
وينظر في مرآتها النجم حائرا
فليس يرى الا شرارة قابس
فالنسيم المحرك للذكريات يمر فيصقل الذكرى فنتخيل صورا تعكس مافي داخلنا لتكون كالمرآة لما نطمح ونحب .
ولا طيرالا وهو طاو جناحه
على الرأس حتى المنكبين..كبائس
تخالينه من لفه الجيد ناعسا
ولكنه -يا مي-ليس بناعس

فالطائر الطاوي جناحه استوقف الشاعر في هذه الليلة الحالمة فهو ليس بناعس ويبدو كبائس لكنه يشعر بالحنين لألحان شدا بها تعود به لذكريات تركت اثرها في قلبه .
فان لذكرى كل لحن شدا به
سحابة يوم هزه في المغالس
تؤرقه تلك الهواجس موهنا
فيشفق من جراء تلك الهواجس

فالهواجس تؤرقه فيشعر بالضعف والحنين لموقف مر به ورحل ليترك الما أو حزنا باق في قلبه وعقله لا ينسى , فالذكريات تؤثر فينا فتشغل طاقات كامنة تؤثر في لحظتنا ومستقبلنا فنحقق ما نصبو اليه , أو انها تصيبنا بالوهن والضعف فتؤرقنا فنركن الى اليأس والحزن كما وجدناه عند طائرنا المثقل بالذكريات المؤلمة فيبدو كبائس. أما في حديثه عن الصورة الأخيرة التي وصف بها الروض الرائع الجمال فقال فيه:
وكم دوحة في الروض حال سوادها
بأنوار بدر شع بين المغارس
ليلبسها من نسجه بعد عريها
لجيني السنا كالعرائس

فالرياض الغناء الجميلة تشع بأنوار البدر البراقة لتلبس ثوبا رائع الحسن من الضياء فتكتسي بعد العري وهذه صورة جميلة نتصور بها الطبيعة الخلابة التي عاشها شاعرنا. فنشعر بقرب المشهد من نفوسنا وعقولنا فنغدوا وكأننا نحيا المشهد ليعزف لحنا دافئا يحرك ما كمن في مشاعرنا لنشعر بالارتياح بعد شعورنا بتعب الطائر والمه النفسي وما ذلك الا ألم القائل والذي يسقطه على الطائر الحزين الذي يحتاج للحظة راحة, وأمل في الحياة. يحتاجها هو نفسه فيبحث عنها ليجدها في صورة الروض العاري الذي اكتسى بضياء البدر؛ ليعبر عن حالة الامل والتجدد بمستقبل افضل, يريد أن يحياه , وفي نهاية قصيدتنا نجد شاعرنا يطلب من المحبوبة التي خاطبها مرتين في القصيدة ووجه كلامه اليها بأسلوب رقيق لطيف.
فالشاعر لا يكتفي بالوصف بل بمناجاة انسان غائب, لكنه قريب من القلب, بأسلوب اقرب للحوار, فنسرح في تخيل مشاعر عذبة غاية في الرقة تضيف جمالا للقصيدة وتشويقا سجله الشاعر فقال :
وتحت شعاع البدر اسفرت المنى
وعاينتها تحنو حنو الاوانس
تعالي هنا..نخلد من العمر ساعة
يدا بيد في نجوة وتهامس

طلب الشاعر من المحبوبة بهذا الأسلوب الرقيق أشعرنا براحة بعد طول عناء, فتعالي نسكن ساعة راحة وهدوء نسند بعضنا يدا بيد نحقق ما نصبو ونأمل, متحابين لنصل الى مانريد.قصيدة رائعة تلمسنا فيها عمق التعب والألم الذي أراد الشاعر أن نتلمسه. فشعرنا بتعب ويأس ثقيلين,وعند تلك اللحظة انتشلنا من تلك الحالة المرهقة وأعطانا بريق أمل لنخطوخطوتنا الاولى نحو الامل والحياة. وما ذلك الا ليعبر عن شاعر رقيق المشاعر دافئ الاحساس ,عاش حياة مليئة بالاحداث والمشاهد, والمواقف التي أثرت في شعره وصوره غريبة تنم عن خصب خيال وشاعرية الشاعر ابراهيم العريض الذي عاش حياة أثرت الطبيعة الخلابة -الهند- التي قضى طفولته وصباه فيها, فحلقت بخياله ونسجت صورا غاية في الجمال.
جاءت القصيدة عميقة المعاني تدل على معان أبعد نتلمسها من خلال ما حملته من اسقاط ما في النفس على الطبيعة فكانت الصورة ابلغ ووقعها في النفس أعظم .
قصيدتنا ذات تفعيلة,رمزية تعبر عن مدى قدرة الشاعر على التجديد في شكل ومضمون القصيدة العربية العمودية , فهو بحق من أوائل المجددين معاصري بدر شاكر السياب والاعلام الاوائل ....